العلوم الحقيقية - Real Sciences

العلوم الحقيقية - Real Sciences


توماس كوان الطبيب الذي يُنكر وجود الفيروسات لصالح كهربائية الأرض

April 08, 2020

انتشر في فيسبوك فيديو لطبيب امريكي يُدعى توماس كوان (Thomas Cowan) وهو ينكر وجود الفيروسات ويعزو الموجات الوبائية الكثيرة للفيروسات والتي حدثت على الأرض وآخرها وباء كورونا إلى الموجات الكهرومغناطيسية وكهربائية الارض. يحاول كوان أن يربط بين موجات الوفيات تلك بالعلم الزائف المعروف بكهربائية الأرض والمرتبطة بعلم زائف أكبر حول الكون الكهربائي. يشرح كوان الأوبئة التي يذكرها ويربطها باكتشافات حدثت في الموجات الراديوية ومراحل التقدم في شبكات الهاتف المحمول وغيرها أما نفيه للفيروسات فهو يقول بأن ما يحدث في الخلايا هو حالة تسمم فقط وهي تشبه ما تتعرض له الخلية عند حدوث أي ضرر ناتج من التسمم. في هذا المقال سنفند هذه الفكرة الضعيفة من العلم الزائف.

يضلل توماس كوان في البداية بين الاكسوزومات والفيروسات، والاكسوزومات هي حواصل خارجية متصلة بالعديد من الخلايا الحيوانية والنباتية تتضمن مواد دهنية ومادة وراثية[1]. دراسة الاكسوزومات هي دراسة متشعبة بما أنها تمثل عُضي مرتبط بالخلية فهي تعكس الكثير من حالات الخلية عند المرض او الأحوال الطبيعية، كما يُمكن أن تُساهم في أدوار علاجية معينة، الاكسوزومات لا تعني أن الخلية مريضة بأي شكل من الأشكال، بل أن لها وظائف مختلفة عديدة منها ما يتعلق بالعدوى الفيروسية ومنها ما يتعلق بالشفاء مثلما هو الحال مع أي جزء من الخلية. لا ندري ماذا يقصد كوان عندما يحاول الخلط في هذا الأمر ويقول إنها تنسجم كلياً مع فكرته؟ هل يُمكن أن نقول الأمر ذاته عن الميتوكوندريا أو السايتوبلازم مثلاً وأنه إذا حدث شيء ما معها فإن هذا يعني أنها هي الفيروسات أو أنها تدل على أن الفيروسات هي نواتج من الخلية نتيجة التسمم فقط؟ القصد الدقيق مبهم، والفكرة العامة واضحة ومضللة جداً.

نترك الخلية ونتجه إلى الموجات الراديوية، في بادئ الأمر علينا أن نذكر لكل المندهشين بفيديو كوان أن التطابق بين الأوبئة والاكتشافات الحاصلة في الموجات واستخدامات تلك الموجات على نطاق واسع هي أمر غير صحيح على الإطلاق.  لا يُمكن أن تجد حدثاً مميزاً في تأريخ الراديو في عام 1917-1918 وهي فترة انتشار الانفلونزا الاسبانية سوى حادثة أول بث راديوي للموسيقى[2]. الاكتشافات بخصوص الراديو والتقدم الصناعي به مستمر منذ ظهور براءة اختراع الراديو لماركوني عام 1869 وحتى انتشار راديو الجيب عام [3]1954، لا يُمكن أبداً أن نرسم نقطة فاصلة مثل التي يزعمها كوان زيفاً وبهتاناً.

الكلام حول "تعريض الكائنات لمجال كهرومغناطيسي جديد مما يؤدي إلى وفاة البعض وبقاء البعض في "حالة معلقة" وليعيش البقية أطول ولكن بحالة أكثر مرضية" هو هراء عالي المستوى من العلم الزائف. لنذكر القارئ بماهية العلم الزائف أولاً، فالعلم الزائف هو صبغ الادعاءات غير العلمية بصبغة العلوم، وما يحدث هنا أن كوان يتكلم وكأن هناك قانون احيائي او فيزيائي ينص على ذلك. وفي الحقيقة لا يوجد شيء كهذا، فرغم كل ما انتشر مثلاً حول ضرر موجات الميكروويف وأضرار الهاتف المحمول وكونها مسببات للسرطان، فلا يُمكن القول أن هناك تأكيد حول أي من تلك الأضرار علمياً حتى هذه اللحظة[4]. فما بالنا بمن يتكلم عن جميع الأمراض وجميع الموجات بهذا الشكل العشوائي. النقاش حول ضرر صنف محدد من الموجات وحول كونها تسبب الأورام أخذ عقوداً ودراسات ولم يثبت شيء، فهل يريد كوان أن يثبت أن جميع الموجات الراديوية هي سبب لطيف شاسع من الحالات المرضية لمجرد أنه يقول ذلك؟

نعود إلى التسلسل الزمني لكوان، ولا ندري أي وباء يتكلم عنه أثناء الحرب العالمية الثانية تحديداً وهو يربطه بالردارات. ثم ينتقل إلى مغالطة أخرى مثيرة للاهتمام، حيث يقول إن حزام فان الين (Van Allen Belt) المحيط بالأرض قد تمت مقاطعته بأقمار صناعية في عام 1968 مما سبب انفلونزا هونغ كونغ (قتلت حوالي مليون شخصاً حول العالم). وفي الحقيقة إن حزام فان الين هو ظاهرة ترتبط بالمجال المغناطيسي للأرض وبالرياح الشمسية[5]، وتتمثل بمنطقة من الجزيئات المشحونة بالطاقة والتي تُلتقط وتُمسك بواسطة المجال المغناطيسي للأرض ولا يُمكن أن تؤثر الأقمار الصناعية الصغيرة جداً بوجوده وبتأثيره بأي شكل من الأشكال وكوان ذاته لا يشرح (ولا يستطيع أن يشرح) هذا التأثير المزعوم.

لم نجد شيئاً حول التجربة التي ذكرها كوان في قسم الصحة في بوسطن بالولايات المتحدة عام 1918، حيث يقول إن الأطباء سحبوا المخاط من انوف المرضى ووضعوه في انوف الأشخاص السليمين فلم يصب هؤلاء بالعدوى. فضلاً عن عدم المنطقية في تجربة قد تبدو مميتة ولن يتطوع أحد للقيام بها كما لن يقوم بها طبيب، فإن الأمر لو حدث حقاً فهو يُعزى لمناعة الأشخاص كما نرى اليوم مع أعداد كبيرة من حاملي فيروس كورونا من غير المصابين.